فصل: (فرع: اشتراك الجماعة في الصيد)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: كسر بيض المأكول ونتف ريش الطائر]

وإن كسر بيض صيد مأكول.. وجبت قيمته.
وقال مالك: (يضمن بعشر ثمن أمه).
دليلنا: ما روى كعب بن عجرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «في بيض النعامة إذا أصابه المحرم.. يفديه بقيمته ". وروي: «بثمنه».
وإن نتف ريش طائر فنبت.. ففيه وجهان:
أحدهما: لا شيء فيه.
والثاني: عليه ما نقص من قيمته، بناء على القولين فيمن قلع سن غيره، فنبت له مكانه سن أخرى.

.[فرع: جزاء قتل الجراد]

ويجب في الجراد قيمته.
وقال أبو سعيد الخدري: لا جزاء في الجراد؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
«الجراد من صيد البحر لا جزاء فيه».
دليلنا: ما روي عن ابن عمر: أنه قال: (في الجرادة تمرة).
وعن ابن عباس: (أن فيها قبضة من طعام). ولأنه صيد يعيش جنسه في البر، فضمنه بالجزاء، كسائر الصيود.
وأما قوله: «الجراد من صيد البحر؛» فإنما أراد: أن أصله من صيد البحر؛ لأنه يقال: (إن الجراد نثر حوت) ثم يأوي إلى البر ويعيش فيه، وهذا لا يسقط الجزاء فيه، ألا ترى أن البط، والإوز، وسائر طيور الماء فيها الجزاء؟ وإنما يغوص في الماء على ما يأكله، كالآدمي.
وقد قيل: إن الخيل كانت متوحشة، ثم أنسها إسماعيل بن إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومع هذا فلا يجب فيها الجزاء اعتبارا بحالها الآن.
إذا ثبت هذا: قال الشافعي: (وفي الدباء قيمته)، و(الدباء): هي الجراد الصغار، وقيمته أقل من قيمة الجراد.
وما روي عن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في تقدير الجزاء في الجراد: فإنما ذلك على طريق القيمة.

.[مسألة:جزاء تكرار الصيد]

إذا قتل صيدا بعد صيد.. وجب لكل واحد جزاء.
وقال الحسن، ومجاهد، وشريح، وسعيد بن جبير، وقتادة، والنخعي، وداود: (يجب الجزاء بقتل الأول، ولا يجب بالثاني، ولا بالثالث شيء). وروي ذلك عن ابن عباس.
وقال أحمد في رواية عنه: (إن لم يكن كفر عن الأول.. تداخلا وكفاه جزاء واحد، وإن كفر عن الأول.... لزمه للثاني جزاء). وقال أبو حنيفة: (إن قصد بالقتل رفض الإحرام أو التحلل.. لزمه جزاء واحد، وإن لم يقصد ذلك.. لزمه لكل واحد جزاء) دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95].
ولم يفرق بين الأول والثاني، وبين أن يقصد رفض الإحرام أو لم يقصد. ولأنه ضمان متلف، فتكرر بتكرر الإتلاف، كالآدمي. على الفرقة الأولى.
وعلى أبي حنيفة: كما لو لم يقصد الرفض.

.[فرع: اشتراك الجماعة في الصيد]

إذا اشترك جماعة من المحرمين في قتل صيد.. وجب عليهم جزاء واحد. وبهذا قال الزهري، وعطاء، وسليمان بن يسار، وأحمد، وإسحاق.
وقال النخعي، والشعبي، ومالك، وأبو حنيفة وأصحابه: (يجب على كل واحد منهم جزاء).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95].
ولفظة (من): يدخل تحتها الواحد والجماعة، فاقتضى ظاهر الآية: أن جنس المحرمين إذا قتلوا صيدا.. فعليهم جزاء مثله.
وروي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الضبع صيد، وفيه كبش، إذا أصابه المحرم» واسم المحرم يعم الجنس. ولأنه مقتول واحد، فوجب فيه جزاء واحد، كما لو قتله واحد.
وإن اشترك محل ومحرم في قتل صيد.. وجب على المحرم نصف الجزاء؛ لأنه ممن يجب عليه الجزاء، ولا يجب على المحل شيء؛ لأنه ممن لا يجب عليه الجزاء.

.[فرع: إمساك المحرم الصيد وقتل المحل له]

وإن أمسك محرم صيدا فقتله محل في يده.. وجب الجزاء على المحرم، وهل يرجع به على المحل القاتل؟ فيه وجهان:
أحدهما: وهو قول الشيخ أبي حامد، واختيار ابن الصباغ -: أنه لا يرجع عليه بشيء؛ لأنه أتلف صيدا يجوز له إتلافه؛ لأنه غير ممنوع منه لحق الله تعالى، ولا لحق المحرم؛ لأنه لم يملكه بالإمساك.
والثاني: يرجع عليه، وهو قول القاضي أبي الطيب، والشيخ أبي إسحاق؛ لأن القاتل أدخل المحرم في الضمان فرجع عليه، كما لو غصب مالا فأتلفه آخر في يده.
وإن قتله محرم مثله.. ففيه وجهان، حكاهما الشيخ أبو حامد:
أحدهما: يجب الجزاء على القاتل؛ لأنه وجد منه مباشرة، ومن الممسك سبب، وإذا اجتمع السبب والمباشرة.. تعلق الضمان بالمباشرة.
والثاني: يجب عليهما جزاء واحد؛ لأنه قد وجد من كل واحد منهما ما يضمن به الصيد لو انفرد به، فإذا اشتركا.. كان عليهما الضمان، كما لو اشتركا في جرحه.
وقال القاضي أبو الطيب: يجب الضمان على كل واحد منهما، فإن أخرجه الممسك.. رجع به على القاتل. وإن أخرجه القاتل.. لم يرجع به على الممسك، كما لو غصب شيئا فأتلفه آخر في يده.
قال ابن الصباغ: وهذا أقيس عندي؛ لأن ما ذكره الشيخ أبو حامد للوجه الأول ينتقض، بمن غصب شيئا وأتلفه غيره في يده، وما ذكره للثاني لا يستقيم؛ لأن الضمان لا ينقسم على المباشرة والسبب غير الملجئ ليس في شيء من الأصول.

.[مسألة:جناية المحرم على الصيد دون أن يقتله]

إذا جنى المحرم على صيد، فأزال امتناعه، فإن قتله غيره.. ففيه طريقان:
الأول: قال أبو العباس: يجب على الجارح أرش ما نقص قولا واحدا، وعلى القاتل جزاؤه مجروحا إن كان محرما، ولا شيء عليه إن كان محلا؛ لأن الأول جارح وليس بقاتل.
والثاني: من أصحابنا من قال: فيه قولان:
أحدهما: هذا.
والثاني: يجب على كل واحد منهما جزاء كامل؛ لأن الأول أزال امتناعه، فصار كما لو قتله، والثاني وجد منه القتل، والأول أصح.
وإن اندمل جرح الأول، وبقي الصيد غير ممتنع.. ففيه وجهان:
أحدهما: وهو المذهب.: أنه يلزم الجارح ما نقص؛ لأنه جرح ولم يقتل.
فعلى هذا: إن كان الصيد لا مثل له من النعم.. وجب عليه ما نقص من قيمته.
وإن كان له مثل.. فهل يجب ما نقص من القيمة، أو جزء من المثل؟ فيه وجهان، مضى ذكرهما.
والوجه الثاني: أنه يجب على الجارح جزاؤه كاملا؛ لأنه جعله كالميت.
وإن غاب الصيد ولم يعلم: هل برئ من جراحته، أو مات؟ ففيه وجهان:
أحدهما- وهو المذهب -: أن عليه ضمان ما نقص.
والثاني: قال أبو إسحاق: عليه جزاؤه كاملا - وهو قول مالك - لأنه قد صيره غير ممتنع، والظاهر بقاؤه على هذه الحالة.
وإن أطعمه وسقاه حتى عاد ممتنعا.. فهل يسقط عنه الضمان؟ فيه وجهان، بناء على القولين فيمن قلع سنا فنبتت مكانها أخرى.
فإذا قلنا: لا يسقط عنه الضمان.. فهل يلزمه جزاؤه كاملا، أو ما نقص؟ على الوجهين الأولين. وهل يلزمه قسط الناقص من المثل، أو من القيمة؟ على الوجهين الأولين.

.[مسألة:قتل القارن للصيد]

إذا قتل القارن صيدا، أو ارتكب محظورا من محظورات الإحرام... لزمه جزاء واحد، وكفارة واحدة.
وقال أبو حنيفة: (يلزمه جزاءان وكفارتان).
دليلنا: أنهما حرمتان لو انفردت كل واحدة منهما بالهتك.. لزمه لكل واحدة منهما كفارة، فإذا جمع بينهما في الهتك.. لزمه كفارة واحدة، كالإحرام والحرم.

.[مسألة:صيد الحرم]

ويحرم صيد الحرم على المحل والمحرم، فإن قتله محل... وجب عليه جزاؤه. وبه قال عامة أهل العلم، إلا داود، فإنه قال: (هو ممنوع من تنفيره، فإن قتله محل
فلا جزاء عليه).
والدليل - على تحريم ذلك -: ما روي عن ابن عباس: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الله حرم مكة، لا يختلى خلاها، ولا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها».
والدليل - على وجوب الجزاء فيه -: قَوْله تَعَالَى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95].
و(الحرم): جمع محرم، ومن في الحرم، فإنه يسمى محرما، قال الشاعر:
قتلوا ابن عفان الخليفة محرما ** فدعا فلم أر مثله مقتولا

فسماه محرما؛ لكونه في حرم المدينة، لا أنه كان محرما بحج أو عمرة.
ولأنه صيد ممنوع من قتله؛ لحق الله تعالى... فوجب بقتله الجزاء، كالمحرم.
إذا ثبت هذا: فإن قتل المحرم صيدا في الحرم.. لزمه جزاء واحد؛ لأن المقتول واحد.

.[فرع: إدخال المحل صيدا للحرم]

وإن اصطاد المحل صيدا في الحل وأدخله إلى الحرم.. جاز له أن يتصرف فيه بجميع التصرفات من الإمساك، والبيع، والهبة، والذبح، والأكل.
وقال أبو حنيفة: (إذا أدخله إلى الحرم.. لزمه رفع يده عنه، فإن لم يفعل وتلف في يده أو أتلفه.. كان عليه الجزاء).
دليلنا: أن صيد المدينة يحرم، كصيد مكة، وقد روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال للصبي: «يا أبا عمير ما فعل النغير» فأقره على إمساك عصفور كان في يده، ولا يجوز له ذلك إلا من الوجه الذي ذكرناه، بأن يكون ملكه في الحل وأدخله إلى الحرم.
لأن كل من جاز له الأمر بالصيد.. جاز له إمساك الصيد، كالمحل، وعكسه المحرم.
فإن ذبح المحل صيدا من صيود الحرم.. لم يحل له أكله، وهل يحل لغيره؟ فيه طريقان:
الأول: من أصحابنا من قال: فيه قولان، كالمحرم إذا ذبح صيدا.
والثاني: منهم من قال: لا يحل لغيره قولا واحدا؛ لأن صيد الحرم محرم على كل أحد، فهو كالحيوان الذي لا يحل أكله.

.[فرع: الرمي من الحل أو الحرم لصيد وحبس الصيد وله فرخ]

إذا رمى المحل من الحل إلى صيد في الحرم فقتله. كان عليه الجزاء؛ لأن الصيد في الحرم.
وإن رمى من الحرم إلى صيد في الحل فقتله.. كان عليه الجزاء؛ لأن كونه في الحرم يحرم الصيد عليه.
وإن رمى من الحل إلى صيد في الحل فقتله.. كان عليه الجزاء؛ لأن كونه في الحرم يحرم الصيد عليه.
وإن رمى من الحل إلى صيد في الحل، فاخترق السهم شيئا من الحرم، ثم أصاب الصيد في الحل فقتله.. ففيه وجهان:
أحدهما: عليه الجزاء؛ لمرور السهم في الحرم، فهو كما لو كان الرامي في الحرم.
والثاني: لا جزاء عليه، وهو المذهب؛ لأن الرامي والصيد في الحل.
وإن حبس المحل صيدا في الحل وله فرخ في الحرم، فماتت الأم والفرخ.. ضمن الفرخ دون الأم.
وإن حبس صيدا في الحرم وله فرخ في الحل، فماتا.. كان عليه الجزاء فيهما؛ لأن الأم في الحرم، ولأن كونه في الحرم يحرم الصيد عليه.

.[فرع: رمي الصيد وهو على غصن وقطع الغصن]

وإن نبتت في الحرم شجرة ولها أغصان في الحل، فوقع صيد على غصنها الخارج إلى الحل، فرماه محل من الحل وقتله..... فلا جزاء عليه؛ لأنه تابع لهواء الحل. ولو قطع الغصن.. كان عليه الجزاء فيه؛ تبعا لأصل الشجرة.
وإن كان أصل الشجرة في الحل وأغصانها في الحرم، فوقع طائر على غصن منها في الحرم، فرماه وقتله.. كان عليه الجزاء فيه؛ تبعا لهواء الحرم. ولو قطع الغصن.. فلا جزاء عليه فيه؛ لأنه تابع لأصل الشجرة.

.[فرع: قتل صيد الحرم خطأ أو بكلب]

وإن رمى إلى صيد في الحل، فعدل السهم وأصاب صيدا في الحرم فقتله.. فعليه الجزاء؛ لأن العمد والخطأ في قتل الصيد - عندنا - واحد في وجوب الجزاء.
وإن أرسل المحل كلبا وهو في الحل على صيد في الحل، فهرب الصيد منه إلى الحرم وقتله الكلب في الحرم.. فلا جزاء عليه؛ لأن للكلب اختيارا.
وإن كان بعض الصيد في الحل، وبعضه في الحرم، فرماه محل من الحل وقتله.. فإنه يكون مضمونا بكل حال.
وقال أصحاب أبي حنيفة: إن كانت قوائمه في الحل ورأسه في الحرم يرعى فليس بمضمون. وإن كان بعض قوائمه في الحرم ورأسه في الحل.. فهو مضمون، وهكذا لو كان نائما وقائمه في الحل ورأسه في الحرم.. كان مضمونا.
وعللوا: بأنه إذا كانت قوائمه في الحل وهو غير نائم.. فهو مستقر في الحل، وإذا كان نائما.. فليس بمستقر على قوائمه، وإنما الاعتبار بموضعه.
دليلنا: أن بعضه في الحرم، فكان مضمونا، كما لو كانت قوائمه في الحرم، أو كان نائما.

.[فرع: إرسال الكلب من الحرم على صيد في الحل]

وإن أرسل كلبا من الحرم على صيد في الحل فقتله، أو أرسل كلبا من الحل على صيد في الحرم فقتله.. كان عليه الجزاء فيهما.
وقال أبو ثور: (لا جزاء عليه فيهما).
دليلنا: أن كون المرسل - أو الصيد في الحرم - يوجب تحريم الصيد فوجب الجزاء بقتله، كما لو كان المرسل والصيد في الحرم.

.[مسألة:الجزاء في صيد الحرم وتخييره كصيد المحرم]

وإذا وجب الجزاء في صيد الحرم.. فالحكم فيه كالحكم في الصيد الذي يقتله المحرم في اعتبار المثل، ويكون بالخيار: بين أن يذبح المثل ويفرقه، وبين أن يقومه بدراهم ويشتري بالدراهم طعاما ويتصدق به، وبين أن يصوم عن كل مد يوما.
وقال أبو حنيفة: (لا مدخل للصوم في جزاء صيد الحرم).
دليلنا: أنه صيد ممنوع من قتله؛ لحق الله تعالى، فدخل في بدله الصوم، كصيد المحرم.

.[مسألة:قتل الكافر الصيد في الحرم]

وإن دخل كافر إلى الحرم فقتل صيدا.. ففيه وجهان:
أحدهما: يجب عليه الجزاء؛ لأنه ضمان يتعلق بالإتلاف، فاستوى فيه المسلم والكافر، كضمان الأموال.
فعلى هذا: لا مدخل للصوم في الجزاء عليه؛ لأنه لا يصح منه.
والثاني - وهو قول الشيخ أبي إسحاق ـ: أنه لا جزاء عليه؛ لأن ضمان صيد الحرم لحق الله تعالى، وهو غير ملتزم لحقوق الله تعالى.

.[مسألة:تحريم قطع شجر الحرم]

ولا يجوز للمحل ولا للمحرم قطع شجر الحرم، فإن قطعه.. كان عليه الجزاء.
وقال مالك وداود وأبو ثور: (هو ممنوع من إتلافه، فإن أتلفه.. فلا جزاء عليه).
وحكى الطبري في "العدة": أن هذا قول آخر للشافعي وليس بصحيح؛ لأنه ممنوع من إتلافه لحق الله تعالى، فوجب بإتلافه الجزاء، كالصيد، وسواء في ذلك
الشجر الذي أنبته الله، أو أنبته الآدميون... مما كان أصله في الحرم.
ومن أصحابنا من قال: ما أنبته الآدميون.. جاز قطعه.
وقال أبو حنيفة: (إن كان من جنس ما ينبته الآدميون.. جاز قطعه. وإن كان مما لا ينبت الآدميون جنسه، فإن أنبته الآدمي.. جاز قطعه. وإن نبت بنفسه.. لم يجز قطعه).
دليلنا: قوله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يعضد شجرها» ولم يفرق. ولأنه شجر نام غير مؤذ نبت أصله في الحرم، فوجب بإتلافه الجزاء، كالشجر الذي أنبته الله.
فقولنا: (نام) احتراز من اليابس.
وقولنا: (غير مؤذ) احتراز من الشوك.
وقولنا: (نبت أصله في الحرم) احتراز ممن قلع شجرة من الحل، فغرسها في الحرم فنبتت، ثم قلعها هو أو غيره.. فلا شيء على قالعها وجها واحدا، كما إذا أدخل صيدا من الحل إلى الحرم.. فإن له ذبحه.
ومسألة الوجهين فيما أنبته الآدمي: هو أن يأخذ غصنا من شجر الحرم فينبته في موضع من الحرم.
وإن قلع شجرة من الحرم وغرسها في موضع من الحرم فإن نبتت.. لم يجب عليه شيء ولم يؤمر بردها؛ لأن حرمة جميع الحرم واحدة.
وإن قلع شجرة من الحرم وأنبتها في موضع من الحل فنبتت.. وجب عليه ردها، فإن لم يفعل.. وجب عليه الجزاء، فإذا ردها، فإن علقت.. فلا شيء
عليه، وإن لم تعلق.. فعليه الجزاء؛ لأنها تلفت بسبب منه. وإن قلعها غيره من الحل.. فذكر ابن الصباغ والطبري في "العدة": أن على القالع الجزاء؛ لأن الاعتبار في الشجر بمنبتها، وقد ثبت لها حكم الحرم، ولهذا يجب عليه ردها إليه، بخلاف ما لو نفر صيدا من الحرم إلى الحل فصاده غيره من الحل.. فلا ضمان عليه؛ لأنه ينتقل من موضع إلى موضع بخلاف الشجر.
وذكر المسعودي أيضا [في "الإبانة" ق \ 200] أنه إذا أخذ غصنا من أغصان شجر الحرم أو نواة فغرسها في موضع.. ثبت لها حرمة الأصل.

.[فرع: الضمان في قطع غصن أو أخذ ورق من شجر الحرم]

وإن قطع غصنا من أغصان شجرة بالحرم، فإن لم يعد مثله في مكانه.. كان عليه ضمان ما نقص من قيمتها. وإن عاد مكانه مثله.. فهل يسقط عنه الضمان؟ فيه قولان، كالسن إذا عادت.
وهل يجب دفع ما نقص منها من الحيوان أو يجوز دفعه من القيمة؟ فيه وجهان.
فأما إذا أخذ الورق من شجر الحرم، والأغصان الصغار للسواك.. فقال الشافعي في القديم: (يجوز ذلك). وقال في " الإملاء ": (لا يجوز).
قال أصحابنا: ليست على قولين، وإنما هي على اختلاف حالين: فالموضع الذي قال: (يجوز) أراد: إذا لقط الورق بيده، وكسر الأغصان بيده بحيث لم ينل نفس الشجرة أذى.
والموضع الذي قال: (لا يجوز) أراد: إذا خبط الشجرة حتى تساقط الورق وتكسرت الأغصان؛ لأن ذلك يضر بالشجرة، ولما روي: (أن ابن عمر رأى رجلا يخبط شجرة في الحرم فانتهره).

.[فرع: الجزاء في قطع الشجر]

شجرة الحرم تضمن بمقدر، فيجب في الشجرة الكبيرة بقرة، وفي الصغيرة شاة.
وقال أبو حنيفة: (يضمنها بقيمتها بكل حال).
دليلنا: ما روي عن ابن عباس: أنه قال: (في الشجرة الدوحة بقرة، وفي الجزلة شاة).
قال الشيخ أبو حامد: و(الدوحة): هي الشجرة الكبيرة التي لها أغصان، و(الجزلة): الشابة التي لا أغصان لها.

.[مسألة:قطع نبات الحرم من زرع ونحوه]

والرعي فيهقال ابن الصباغ: الزرع في الحرم يجوز قطعه، لأن الحاجة داعية إليه.
وأما الحشيش ـ غير الإذخر في الحرم - فالمشهور من المذهب ": أنه لا يجوز قطع شيء منه.
وحكى أبو علي السنجي في " شرح التلخيص " عن بعض أصحابنا: أنه يجوز له أن يأخذ العلف بيده، كورق الشجر.
وحكى في "الفروع": إنه يجوز أخذ اليسير منه.
والأول أصح؛ لقوله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يختلى خلاها» ولم يفرق.
وأما الإذخر: فيجوز أخذه؛ «لأن العباس قال للنبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إلا الإذخر لبيوتنا وقبورنا وصياغتنا؟ فقال النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إلا الإذخر». فإن جز الحشيش.. نظرت: فإن استخلف مكانه مثله.. سقط عنه الضمان قولا واحدا؛ لأنه يستخلف في العادة، فهو كما لو قلع سن صغير لم يثغر فنبت مكانها مثلها. وإن لم يستخلف ولم يضر أصله.. كان عليه ما نقص من قيمته، وإن جف أصله.. كان عليه قيمته؛ لأنه تلف بسبب منه. ويجوز رعي الدواب فيه.
وقال أبو حنيفة: (لا يجوز).
دليلنا: ما روي عن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنه قال: «ولا يختلى خلاها، إلا رعي الدواب فيه» وروي: «أن ابن عمر رعى حماره في الحرم، فرآه النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم ينهه عن ذلك» فدل على جوازه. وأيضا: فإن الناس كانوا من لدن رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى وقتنا
هذا يحملون الهدايا ويرعونها في الحرم من غير إنكار، ولا نقل: أن أحدا سد أفواهها، فدل الإجماع على ذلك. ويجوز قطع الشوك والعوسج؛ لأنه يؤذي، فلم يمنع من إتلافه كالسبع والذئب.